U3F1ZWV6ZTQxNjUzNTcyMTMzOTk0X0ZyZWUyNjI3ODY3NTEyMjQwOA==

آثار محمد علي في مصر

 


آثار محمد علي في مصر

 كتب الامام محمد عبده مقال في 7 يونيه 1902 تحت عنوان آثار محمد علي في مصر يوضح فيه حقيقة حال البلاد لان الحديث كان قد كثر علي ما كان لمحمد علي وما عليه وننقل لكم المقال.


"لغط الناس هذه الأيام في محمد علي ... وماله من الآثار في مصر والأفضال على أهلها وأكثرت الجرائد من الخوض في ذلك والله أعلم ماذا بعث المادح   على الإطراء وماذا حمَل القادح على الهجاء .   ، غير أنه لم يبحث باحث في حالة مصر التي وجدها عليها محمد علي و ما كانت تصير البلاد إليه لو بقيت وما نشأ من محوها و استبدال غيرها على يد محمد علي ...أقول الآن شيئا في ذلك ينتفع به من عساه أن ينتفع ... ويندفع به من الوهم ما ربما يندفع ..   ما الذي صنعه محمد علي ؟ لم يستطع أن يُحيي ولكن استطاع أن يُميت ، كان معظم قوة الجيش معه وكان صاحب حيلة بمقتضى الفطرة ، فأخذ يستعين بالجيش وبمن يستمليه من الأحزاب علة إعدام كل رأس من خصومه ثم يعود بقوة الجيش وبحزب آخر على من كان معه أولا وأعانه على الخصم الزائل ، فيمحقه وهكذا حتى إذا سحقت الأحزاب القوية ، وجّه عنايته إلى رؤساء البيوت الرفيعة ، فلم يَدَع فيها رأسا يستقر فيه ضمير "أنا" ...واتخذ من المحافظة على الأمن سبيلا لجمع السلاح من الاهلين وتكرر ذلك منه مرارا حتى فسد بأس الأهلين وزالت ملكة الشجاعة فيهم وأجهز على ما بقي في البلاد من حياة في أنفس بعض أفرادها فلم يبق في البلاد رأسا يعرف نفسه حتى خلعه من بدنه أو نفاه مع بقية بلده إلى السودان فهلك فيه.   أخذ يرفع الأسافل ...ويُعليهم في البلاد والقرى كأنه يَحِن لشَبَه فيه ورثه عن أصله الكريم .. حتى انحط الكرام وساد اللئام ولم يبق في البلاد إلا آلات له يستعملها في جباية الأموال وجمع العساكر بأية طريقة ، فمحق بذلك جميع عناصر الحياة الطيبة من رأي و عزيمة واستقلال نفس ، ليُصَيّر البلاد المصرية جميعها إقطاعا واحدا له ولأولاده بعد إقطاعات كانت لأمراء عدة.   ماذا صنع بعد ذلك ؟ اشرأبت نفسه لأن يكون ملكا غير تابع للسلطان العثماني ، فجعل من العُدة لذلك أن يستعين بالأجانب من الأوربيين فأوسع لهم في المجاملة وزاد لهم في الامتياز حتى صار كل صعلوك منهم لا يملك قوت يومه ملكا من الملوك في بلادنا ، يفعل ما يشاء و لا يُسأل عما يفعل ، وصغرت نفوس الأهالي بين أيدي الأجانب بقوة الحاكم وتمتع الأجنبي بحقوق الوطني التي حُرم منها وانقلب الوطني غريبا في داره غير مطمئن في قراره فاجتمع على سكان البلاد المصرية ذُلان ...ذُل ضربته الحكومة الاستبدادية المطلقة وذُل سامهم الأجنبي إياه ليصل إلى ما يريده منهم ...غير واقف عند حد أو مردود إلى شريعة.   لا يستحي بعض الأحداث من أن يقول : إن محمد علي جعل من جدران سلطانه بناء من الدين ... أي دين كان دعامة للسلطان محمد علي؟ دين التحصيل ؟ دين الكرباج ؟ دين من لا دين له إلا ما يهواه ويريده ؟   و إلا فليقل لنا احد من الناس ...أي عمل من أعماله..لصالح الناس .   لا أظن أن احدا يرتاب – بعد عرض تاريخ محمد علي – على بصيرته أن هذا الرجل كان تاجرا زارعا وجنديا باسلا ومستبدا ماهرا ولكنه كان لمصر قاهرا ولحياتها الحقيقية مُعدما ... وكل مانراه الآن فيها مما يسمى حياة فهو من أثر غيره ـ متّعنا الله بخيره وحمانا من شرّه والسلام )...!! استعان محمد على بالأجانب من الأوروبيين فأوسع لهم من المجاملة وزاد في الإمتياز، خارجا عن حدود المعاهدات المنعقدة بينهم وبين الدولة العثمانية، حتى صار كل صعلوك منهم، لم يكن يملك قوت يومه، ملكا من الملوك في بلادنا يفعل ما يشاء ولا يسأل عما يفعل، وصغرت نفوس الأهالي بين أيدي الأجانب بقوة الحاكم وتمتع الأجنبي بحقوق الوطني التي حرم منها وانقلب الوطني غريبا في داره غير مطمئن في قراره فاجتمع على سلطان البلاد المصرية ذلان: 1ــ ذل ضربته الحكومة الإستبدادية المطلقة. 2ــ وذل سامه الأجنبي إياه إلى ما يريده منهم غير واقف عند حد أو مردود إلى شريعة. نعم عني محمد علي بالطب؛ لأجل الجيش والكشف على المجني عليهم في بعض الأحيان عندما يراد إيقاع الظلم بمتهم! وعنى بالهندسة لأجل الري حتى يدبر مياه النيل بعض التدبير ليستغل إقطاعه الكبير. هل فكر يوما في إصلاح اللغة: عربية أو تركية أو أرنئودية؟ هل فكر في بناء التربية على قاعدة من الدين أو الأدب؟ هل خطر في باله أن يجعل للأهالي رأيا في الحكومة في عاصمة البلاد أو أمهات الأقاليم؟ هل توجهت نفسه لوضع حكومة قانونية منظمة يقام بها الشرع ويستقر العدل؟ أين البيوت المصرية التي أقيمت في عهده على قواعد التربية الحسنة؟ أين البيوت المصرية التي كان لها القدم السابقة في إدارة حكومة أو سياستها أو سياسة جندها، مع كثرة ما كان في مصر من البيوت رفيعة العماد ثابتة الأوتاد؟ أرسل جماعة من طلاب العلم إلى أوروبا ليتعلموا فيها فهل أطلق لهم الحرية أن يبثوا في البلاد ما استفادوا؟ كلا! ولكنه اتخذهم آلات تصنع له ما يريد وليس لها إرادة فيما تصنع، وظهر بعض الأطباء الممتازين، وهم قليل، وظهر بعض المهندسين الماهرين، وهم ليسوا بكثير، والسبب في ذلك أن محمد علي ومن معه لم يكن فيهم طبيب ولا مهندس فاحتاجوا إلى بعض المصريين، وكان ذلك مما لا تخشى عاقبته على المستبدين!  ترجمت كتب كثيرة في فنون شتى من التاريخ والفلسفة والأدب ولكن هذه الكتب أودعت في المخازن من يوم طبعت وأغلقت عليها الأبواب إلى أواخر عهد إسماعيل وهذا يدلنا على أنها ترجمت برغبة بعض الرؤساء من الأوروبيين الذين أرادوا نشر آدابهم في البلاد.   هل كانت له مدرسة لتعليم الفنون الحربية؟ أين هي؟    هل علّم المصريين حب التجنيد؟ لا! بل علمهم الهرب منها بعد أن كانوا ينتظمون في أحزاب الأمراء ويحاربون لا يبالون بالموت أيام حكم المماليك. ليقل لنا أنصار الإستبداد كم كان في الجيش من المصريين الذين بلغوا في رتب الجندية إلى رتبة البكباشي على الأقل؟ فما أثر ذلك في حياة المصريين؟ أثر كله شر في شر.   ظهر ذلك حينما جاء الإنجليز لإخماد ثورة عرابي، دخل الإنجليز مصر بأسهل ما يدخل دامر على قوم، ثم استقروا ولم توجد في البلاد قوة تثبت لهم أن في البلاد من يحامي على استقلالها، وهو ضد ما رأيناه عند دخول الفرنسيين إلى مصر وبهذا رأينا الفرق بين الحياة الأولى والموت الأخير.   أى دين كان دعامة لسلطان محمد علي؟ دين تحصيل الضرائب بالقوة والظلم؟ دين الكرباج؟ دين من لا دين له إلا ما يهواه ويريده؟ فليقل لنا أحد من الناس أى عمل من أعماله افاد الناس؟؟؟؟؟   الخلاصة.. كان محمد علي مستبدا ماهرا، لمصر قاهرا، ولحياتها الحقيقية مُعدِما، وكل مانراه فيها مما يسمى حياة فهو من أثر غيره!"."

انتهي. 
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة